إمكانية توظيف الهجرة واللاجؤ للمساهمة في التغيير الديمقراطي
منعم سليمان عطرون
ببساطة لدينا نظم ديكتاتورية على سبيل المثال في السودان؛ إريتريا و سوريا؛ البلدان التي تعتبر أغلبية اللاجئين من سكانها اليوم في البلدان الديمقراطية؛ وقد هربوا بسبب الديكتاتورية والحرب والصراعات بحثا عن الأمان.
لا يختصر عمل النظام الديكتاتوري على إدارة الديكتاتوريات داخليا؛ بل للديكتاتورية أدوات وأيدي في البلدان الديمقراطية. والديكتاتوريات تقيم علاقات مع بلدان ديمقراطية ليس لنقل وتبادل تجارب ديمقراطية بل لتبادل مصالح سياسية واقتصادية وديبلماسي عند الحاجة؛ بعض تلك المصالح تسوق بها النظم الديكتاتورية ذاتها. تري بعض الأحزاب اليسارية الاشتراكية في البلدان الديمقراطية انه ليس من المفيد أن تقيم دولة ديمقراطية علاقات ديبلماسية مع البلدان التي تحكم بنظم ديكتاتورية؛ سواء ديكتاورية فرد؛ أو ديكتاتورية أقلية. فيما تتبني أحزاب يمينة اخري سياسية خارجية تقوم على مبدأ بناء الجسور التي تعني بناء علاقات مع الأمم الأخري دونما التدخل في سياستها الداخلية.
كجزء من أهدف الحفاظ على ذاته الديكتاتوري فإن اغلب النظم الديكتاتوية تعمل بدورها في الإستثمار في الأجيال التي تخرج من اللاجئين المعاد توطينهم؛ وتخوض أي وعي ديقراطي من شأنه أن ينعكس مستقبلا على بلدهم الأم.
ولتحقيق الإستثمار فإنه ضمن مهمة النظم الديكتاتورية هي دراسة المهاجرين واللاجئين من رعاياها الذين يحصلون على إعادة توطين في البلدان الديمقراطية ؛ والتغلل في وسطهم لتحقيق اهدافها. وتشكل خلايا رصد ومتابعة من داخل سفاراتها في البلدان الديمقراطية؛ وتجنيد او استغلال المهاجرين و اللاجئين العادين. ويمكن تلخيص كل تلك الأهداف في التالي:
1.معرفة عدد المهاجرين و اللاجئين المعاد توطينهم؛ وجمع معلومات عامة عن خلفياتهم الإجتماعية والمناطق التي قدموا منها مناطق نشأتهم والدولة الثانية التي لجؤهم منها؛ أو طرق تسللهم؛ (البحر المتوسط أو المكسيك)؛ ومستوي تعليهم وأغراضهم الذاتية من الهجرة واللجؤ (التعليم أو الأمان).
2. دراسة وقياس معدل تطور المهاجرين واللاجئين؛ ومدي إستفادتهم من عروض النظام الديمقراطي؛ ومعدل نشاطهم في المجتمع الذي يعيشون فيه ونشاطهم الجماعي أو الفردي في مناهضة الديكتاتورية في بلدهم الأم ومعارضتهم.
3.دراسة المعدلات أعلاه تقع على الجيل الأول والثاني والثالث من اللاجئين والمهاجرين معا في البلدان الديمقراطية.
4.دراسة إيمكانية إنعكاس التعليم المتحضر والوعي الديمقراطي الذي تتلقاه الأجيال المهاجرة ؛ ومساعي الجماعات المعارضة في الإسهام في تفكيك النظام الديكتاتوري مستقبلا.
5.بجانب ذلك فان الأنظمة الديكتاتورية تعمل في برنامج إستغلال المهاجرين واللاجئين العاديين عبر لتشكل منهم جماعات ضغط تناهض الجماعات المعارضة. بنموذج رصد فعاليات بعض مظاهرات السودانيين في لندن أو نيويورك المناهضة للنظام الديكتاتوري في الخرطوم و حراك اللاوبي الديكتاتوري.
6. إدماج بعض المهاجرين و اللاجئين أو الأجيال اللاجئة ضمن الجاليات التي تتبع للسفاراتها في البلدان الديكتاتورية؛ والعمل على إعادة صياغة وعيهم لينقادوا لبرامج النظام الديكتاتوري الذي يلقب بالوطني لاحقا.
7.إستغلال طاقات المهاجرين واللاجئين في جمع مساهمات ودفع رسوم ؛وإشتراكات للسفارة الديكتاتورية سراً أو عن طريق برامج جمعيات؛ أو روابط وفعاليات يشكلها قيادة الجاليات أو بعض المهاجرين في مناطق إقامتهم. وهذه الأموال تعمل لأجل تمويل النظام الديكتاتوري وإستمراريته.
8. رصد ظروف إفراغ الطاقة الثورية المناهضة للديكتاتورية والحرب في نفوس المهاجرين واللاجئين في البلدان الديمقراطية؛ وإعادة النظام الديكتاتوري في تسويق ذاته من جديد. دراسة ظروف إنخفاض ثورية المعارضة السورية في الخارج..
9. تستغل وتستفيد النظم الديمقراطية من الإختلافات التي تنشأ داخل المعارضين الديمقراطيين في الخارج؛ وتوظيف قضايا مثل “التدخلات الأجنبية” في زيادة حدة الإنقسامات.
ممارسة انشطة هدامة
10.في محاربة الحراك الديمقراطي الذي يشكله المهاجرون واللاجئون في الخارج فإن النظام الديكتاتوري يسعي إلي تشويه ومحاربة اي فكر أو نشاط لأفراد أو جماعة معارضة؛ والعمل على إلحاق أضرار بكل المعارضين الذين يعملون في البرنامج الديمقراطي لصالح التغيير في بلادهم.
11.دفع بعض المهاجرين واللاجئين ليكونوا مناهضين للديمقراطية وثقافة المجتمعات الديمقراطية وراء ستار ثقافي أو ديني؛ أو تجنيد جماعات تنشر أفكار متشددة وبالتالي يصبح بعض المهاجرين و اللاجئين منفصمين من الإندماج والتفاعل بالمجتمعات الديمقراطية.
12. العمل في كل ما ينفي أسباب الهجرة واللجوء من البلدان الديمقراطية؛ وتزيف ظروف الإضطهاد والقمع وإنتهاكات حقوق الإنسان التي يعيشها السكان في البلدان الديكتاتورية. (على مثال؛ مساعي الديكتاتورية في الخرطوم لنفي قضية الإبادة الجماعية في دارفور غرب السودان).
13.التشهير بسمعة والصور الانسانية والحضارية للمعارضة الديمقراطية؛ ونشطاء حقوق الانسان؛ ونشر الشائعات والتهم بالفساد بشكل يهدم مساهمات الأفراد والجماعات للتغير الديمقراطي مستقبلا.
14. تسهم بعض البرامج في إنشاء حاجز نفسي بين مؤسسات البلد الديمقراطية وبعض المهاجرين واللاجئين المعاد توطينهم مثل التشكيك الديني في ثقافة المدارس ورياض الاطفال؛ والتشكيك في منظمات حماية الأطفال؛ والنساء والمثلية الجنسية..
15. الظروف والثقافة الديكتاتورية التي تنشأ قد يشجع بعض المهاجرين واللاجئين على الإنقياد وإتباع لجميعات دينية تشكل تصادم ثقافي وليس تلاقح وتعدد ثقافي. وقد يدفع بعض الاجيال من المهاجرين لإمتهان التشدد والجريمة.
المهاجرين واللاجئين المعاد توطينهم في البلدان الديمقراطية ينقسمون هكذا الى ثلاث فئات؛
الأغلبية من المهاجرين والاجئين هم أناس عاديون عاشوا الإضطهاد وظروف الحرب ومعاناة الهجرة واللجؤ.
وآخرون هم لاجئون ديمقراطيون ناضلوا من اجل الديمقراطية وضد الديكتاتورية ناشطون لأجل حقوق الانسان ويسعون للتغيير الديمقراطي في بلدانهم.
وفئة ثالثة هم جماعة ضد الديمقراطية؛ وهؤلاء إما يعملون لصالح النظم الدكتاتورية نفسها بالتخفي؛ أو لصالح جماعات تعمل للايديلوجية الدينية في البلدان الديمقراطية.
للتنبيه فقط: هناك حركة أخلاقية وإنسانية في البلدان الديمقراطية؛ هي تعمل لاجل خدمة المهاجرين وإزالة ظروف المهجر لاجل التطور الديمقراطي. بالمقابل فإن هناك حركة اخري معادية للهجرة وللجؤ ضمن المجتمعات الديمقراطية نفسها. وهذه أحيانا تستثمر في الظروف التي خلقها فشل الإندماج بين بعض المهاجرين؛ بالضبط مثل إستثمار الديكتاتورية نفسها. وتضم حراك معاداة المهاجرين جماعات وطنية متطرفة وأخري دينية متشددة يعتبرون أنفسهم خير البشرية أمام المهاجرين.
إمكانية توظيف الهجرة واللاجؤ الى مساهمة ديمقراطية في التغيير
يمكن لكل لاجئ ومهاجر الإسهام بقدر المستطاع لاجل مد الأفكار ونشر المعرفة الديمقراطية؛ ومبادئ حقوق الإنسان وبشكل قد يسهم في القضاء على الظروف التي خلقت الحروب والإضطهاد ؛ والتي انتجتها النظم الديكتاتورية في بلدانهم.
1.التشجيع الفردي والجماعي للمهاجرين و اللاجئين المعاد توطينهم للاستفادة من بالعروض الديمقراطية المتمثلة في التعليم المجاني والتعلم؛ وفرص العمل؛ وذلك أملا في التتطوير الذاتي الفردي للكبار والأطفال. إذ يمثل الأطفال الذين حصلوا على تعليم مجاني في البلدان الديمقراطية مورداً إنسانيا جيداً للمستقبل في البلدان الديمقراطية ولأجل التغيير الديمقراطي في بلدانهم الأصلية.
2.الإجتهاد في إكتساب التعليم والتعلم؛ وكسب مهارات مهنية؛ بالجامعات والمؤسسات التعليمية العليا؛ تسهم في القضاء علي الفوارق الإقتصادية والإجتماعية التي تحدث أحيانا بين مجتمعات اللاجئين ومجتمعات السكان الأصليين؛ والتي يعيشها أغلب المهاجرين من الجيل الأول والثاني.
3.دعم و تشجيع المهاجرين واللاجئين على التطورعبر تثقيف أنفسهم حول القواعد والنظم؛ والثقافة الديمقراطية، بالشكل الذي يمكن أن ينعكس ذلك في بناء نظام ديمقراطي مستقبلا في بلدانهم التي تعيش صراعات وتنافس مجتمعي وسياسي.
4.دعم وتحريض المهاجرين واللاجئين في الثقة والإحترام و التعاون مع النظام الديمقراطي والمؤسسات الديمقراطية؛ بشكل يحقق الإستفادة والتفاعل والإنتاج بدل الإنعزال.
5. بناء الثقة بين المهاجرين واللاجئين أنفسهم تقوم على أساس الإحترام و التعاون في البلدان الديمقراطية من جهة ولأجل نقل التجارب الديمقراطية إلى بلدانهم الأم.
6. دراسة مقارنة نظرية بين الظروف الحضارية التي تعيشها المجتمعات التي تحكمها نظم ديكتاتورية خلقت الحروب والصراعات واللاجؤ من جهة والظروف التي تطورت فيها البلدان الديمقراطية دستوريا وإجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا. هذه الدراسة من نشأنها أن تنتج أفكار التغيير التي سيعكسها الأجيال المهاجرة إلى بلدانهم مستقبلا.
7. تعزيز مفهوم أن الحضارة الإنسانية واحدة ويمكن لكل الناس المشاركة فيها والاسهام فيها. وهي حضارة حقوق الإنسان المعاصرة والتي يمكن ان يستفيد منها كل البشر بصرف النظر عن إختلافاتهم الظاهرية وخلفياتهم الثقافية. أما الثقافات البشرية؛ بما تضم من أديان ومعتقدات فهي عوامل تعزز الترابط البشري والسلام والمحبة؛ والتعاون ولا ترفرق.
8. تشيجع على ثقافة الحوار حضاري بين الأفكار والأراء؛ وممارسة النقد البناء لفهم الثقافات والأفكار والاراء بين الثقافات والأراء من جهة. كما أن المعارضة الديمقراطية الاخلاقية بين المهاجرين واللاجئين يجب أن تواجه أساليب وأيدي النظم الديكتاتورية في البلدان الديمقراطية بتحضر وعبر القانون حماية لحقوق الإنسان.
هناك إشكاليات متعلقة بتواصل المهاجرين واللاجئين بمؤسسات الدول الديمقراطية السياسية؛ الحكومات والبرلمانات في قضايا التغيير الخاص ببلدانهم؛ ولهذا فإن نقل التجارب وإكتساب المعرفة الديمقراطية إلى البلدان الديكتاتورية هي الغاية المستفادة بعكس صدور أو إنتظار قرارات سياسية من حكومات وبرلمانات الدول الديمقراطية.
هذه الأفكار؛ التحريض والتشجيع يمارسها المهاجرين واللاجئون أنفسهم في البلدان الديمقراطية؛ وخاصة اللاجئين الذين يعملون لاجل التغيير لصالح نظام ديمقراطي في بلدانهم.
هذه الأفكار من شأنها أن تمنح الهجرة البشرية عبر اللاجؤ الإنساني أو السياسي بعداً حضارياً وإنسانياً يمكن أن تنتج عقولا بشرية تثمر بالعمل والعلم في البلدان الديمقراطية والبلدان الأم.
قد تساهم هذه الأهداف في المدي البعيد في تحقيق أهداف الأمم المتحدة الألفية المتمثل في خلق المزيد من السلام والأمن في العالم ليكون الإنتقال متاح بدل الهجرة واللجؤ القسري . إن الأمم المتحدة هي أفضل
منظمة بنتها للإنسانية من أجل الإنسانية.
22.09.24